أرجو أن يتخيل القارئ معي، مجرد تخيل، أن
يقوم بعض المتصوفة المولعين بحكايات أولياء الله الصالحين وكراماتهم، بأن
يعلنوا للناس أن السيد البدوي قد تجلي للناظرين بعصاه الخضراء فوق مئذنة
مسجده في مدينة طنطا، ويتم التلاعب ببعض الألعاب الضوئية وأجهزة الليزر
ويتولى أحد محلات الطيور إرسال عدة أفواج من الحمام الأبيض "الملائكي" قرب
الفجر يتلألأ بين الأضواء المبهرة للسيد البدوي وهو يلوح للناس بعصاه
الخضراء وسط أهازيج الدراويش والعامة، ثم يعلن المريدون أن الولي الصالح
سوف ينتقل الأسبوع التالي إلى مسجد الرفاعي في القاهرة حيث يتجلى لمريديه،
أتمنى أن يعمل بعضنا فكره وخياله في هذه الحالة ويتوقع ردات الفعل التي
سيتم مواجهتها في الصحف الخاصة، وخاصة صحف ساويرس وغلمانه الثلاثة، وكمية
المقالات النارية التي ستفرد لها صفحات في هذه الصحف وبرامج الحوارات
و"التوك شو" في الفضائيات، وكمية الشتائم والإهانات التي ستوجه إلى العقل
الإسلامي والفكر الديني الغيبي والفكر الظلامي والتخلف القروسطي، وطوفان
من "استعراض العضلات" الفكرية والثقافية من كاتبات وكتاب يعطون الناس
الدروس المملة في ازدراء هذه الخرافات وكيف أن المجتمع المصري سقط أسيرا
للظلامية والرهاب الديني، وسوف يتحول الإعلام المصري المسموع والمكتوب
والمرئي إلى مندبة وصوان عزاء كبير لوفاة العقل وسيادة الجهل والهلوسة
الدينية، وقد حدثت أمور شبيهة بذلك من قبل في وقائع أهون على العقل كثيرا
من حكايات ظهور العذراء أو السيد البدوي، وكانت ردات الفعل نسخة طبق الأصل
مما ذكرت، فكيف إذا ظهرت العصا الخضراء للسيد البدوي، أضرب هذا المثال
وأذكر به لكي نتبين إلى أي مدى وصل اختراق المالي الطائفي سوق الصحافة
والإعلام المصري، وهيمن على قطاعات لا يستهان بها، وكيف اشترى ذمما
بالجملة وأقلاما بالجملة والقطاعي، وكيف قام بترويض مثقفين يقدمون أنفسهم
للناس بأنهم مناضلون سياسيون أو مناضلون من أجل العقل والتنوير..
فإذا
بهم مجرد مرتزقة بائعي الضمير وأحذية في قدم صاحب دفتر الشيكات أو "ركوبة"
يمتطيها ليحقق مشروعه الطائفي أو نفوذه المعنوي، ولا يكلفه ذلك إلا "شوية"
فكة، من المليارات التي يكتنزها من مال الشعب المستباح عرضه وكرامته
ودينه، بعض أقلام العار المشتراة من المال الطائفي في الداخل أو المال
الطائفي الملوث أمريكيا في الخارج نشطوا فقط من أجل مهاجمة الدكتور محمد
عمارة ـ الخصم الأول لصاحب دفتر الشيكات الطائفية ـ لأنه وضع دراسة علمية
دفاعا عن عقيدة الإسلام التي حاولت دراسة تنصيرية تشويهها وتضليل الناس
عنها، لكنهم ابتلعوا ألسنتهم في الوقت نفسه تجاه الخرافات والشعوذات التي
روجها بعض رجال الكنيسة وقنوات ساويرس وإعلامه عن ظهور "العفاريت" فوق
أبراج الكنائس، وأفضلهم حالا تحدث بشكل محايد عن "الظاهرة" الجميلة التي
وحدت الأمة !!، وفاجرهم نشر تحقيقات ومقالات تتحدث عن حقيقة تجلي
"العفاريت" فوق الأبراج..
وإذا كان المثل الشعبي المصري يقول
"الدراهم مراهم" واطعم الفم تستحي العين، فالآن اطعم الفم يستحي القلم،
المال الطائفي نجح في تحويل ذمة المناضل اليساري التقدمي المدافع عن
الكادحين إلى مدافع عن الملياردير الليبرالي الطائفي المتأمرك ويعتبره
نموذجا للمثقف المصري المستنير، تأمل، ونجح في قطع اللسان الليبرالي
التنويري العقلاني الحداثي ليسكت عن فضيحة "العفاريت" فوق أبراج الكنائس،
وليجعلهم يلوذون بالمتلازمة الرباعية : لا أسمع لا أرى لا أتكلم لا أكتب،
والتحالف الكنسي مع لجنة السياسات نجح في جعل صحيفة قومية كبيرة تروج
لظهور العفاريت فوق أبراج الكنائس كحقيقة علمية ودينية ونورانية!!، وتزف
"البشارة" بأنها رسالة سلام إلى مصر المحروسة وربما تفاؤلا بقدوم ابنها
"المحروس" .
27-12-2009 م