هل البخل صفه وراثية
ليس لديّ معلومات كاملة ومؤكدة عن صلة صفة البخل بعلم الوراثة لكن لا أتوقع أن تكون هذه الصفه مكتسبة من المجتمع الملامس للفرد بشكل عام وأعتقد بأن الظروف المحيطة بالأنسان هي من العوامل المساعدة لتفعيل صفة البخل أو الكرم المتوارثة لدى الأنسان .
اسمحوا لي أن أعرض لكم نماذج من صور البخل الحقيقية حصلت عليها من مناطق مختلفة في مجتمعنا خلال الخمسة عقود ونيف .
ارملة لها ثلاث بنات متزوجات تمتلك من العقارات والأراضي الزراعية واموال وكميات من الذهب الخالص ( ليرات ذهبية ) تراها تلبس ملابس رثة يشمئز منها ناظرها تنتظر ليأتي وقت العصر لتمهد لزيارة جيرانها ليقدموا لها قطعة من الخبز وقدحا من الشاي الذي كلما نقص منه لتبلغ أصحاب البيت بأنه حلو المذاق وتطلب اضافة كمية قليله من الشاي عليه لينقص ثانية لتبلغهم بأنه مّر المذاق لتطلب اضافة كمية من السكر اليه وهكذا تملأ معدتها ليأتي المساء حتى تلازم فراشها لكي لا تعد لها وجبة عشاء .
وصورة ثانية عسكري مطوع ذو راتب شهري لا بأس به كان يوميا يقطع مشيا مسافة لا تقل عن خمسة وعشرون كيلو مترا ذهابا وايابا من بيته الى وحدته العسكرية أيام تموز وآب لكي لا يدفع اجرة نقل قدرها ( 20 ) فلسا لكل مرة تزوج وطلق امرأته بعد أقل من عام وشكى حينها لي من ثقل ما تحمّله بمعيشتها .
صورة اخرى لرجل تعرفت عليه نهاية الثمانينيات متقاعدا حالته المادية ممتازة له بيت واسع وقطع اراضي سكنية وأخرى زراعية وذهب واموال وهو يصر على ملىء معدته حد التخمه المفرطة عندما يدعى لأية مأدبة طعام بل لا تتوانى زوجته عن ملىء حقيبتها اليدوية الواسعة ببقايا طعام تلك المأدبة كي ترحلها للبيت لتكون ذخيرة لليوم التالي !!!
صورة اخرى لرجل في عقده السادس من العمر له أملاك كثيرة تجارية لكنه يثير الشجار يوميا مع زوجته فهو دائم العتاب عليها . فهي تسبح مرتين في اليوم الواحد صيفا وذاك ما يعده تبذيرا وصرف غير معقول للصابون والماء.
لم أرصد في حياتي حالة بخل لدى شخص فقير الحال ماديا . وأعد سبب ذلك الى عدم كفاية الأضواء التي تكشف لنا حقيقة بخل الشخص من ضعف قدرته المالية فعلا .
ويمكن أن نتصور ان اعدادا من الفقراء هم بخلاء فعلا اذا ما اتجهت الظروف لأمتلاكهم ثروة لما كان البخل يشمل فلسفة التصرف والأنفاق في التعاملات المادية للمجالات التي لا تحكمها او تحددها الأنظمة والقوانين . كمدى الصرف على الذات او العائلة ومدى مساعدة الأشخاص المحتاجين المتروك لتقدير الأنسان وطبيعة سلوكه .
لذا فأن البخلاء تجمعهم عوامل اجتماعية مشتركة اهمها :
انهم يشعرون بدواخلهم بمتعة الكسب حينما يمارسون البخل يوميا لغرض المزيد من ادخار المال . بينما هم يكرهون علنا صفة البخل وينتقدون أي بخيل يصادفهم .
فالبخيل لا يحب التعامل مع بخيل آخر لأنه يدرك في دواخله صعوبة الحصول على ما يبتغيه من الطرف الآخر . والبخيل عموما يحاول ملاصقة من هو أفضل منه ماديا طمعا في الوصول الى اسباب وسبل الرقي الى مستوى مالي أعلى وبأقصر الطرق وان كان البخل احدها . ويتقرب البخيل الى شخص فقير اذا طمع في حاجة لديه أو جهد له ليحاول الحصول على مراده بأزهد وأبخس الأثمان استغلالا لظرف من هو في عوز .
